-->
مدونة النقاش القانوني والقضائي مدونة النقاش القانوني والقضائي

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

خصوصية ركن الرضا في ابرام العقود الالكترونية




 خصوصية ركن الرضا في ابرام العقود الالكترونية



المقدمة:


ترتب عن التطور في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ظهور العقود الالكترونية، وبات العقد الالكتروني يعتبر العصب الأساسي للتجارة الالكترونية نتيجة سهولة وسرعة ابرام هذه العقود من خلال الوسائط الالكترونية.

وفي هذا السياق، عرف جانب من الفقه العقد الالكتروني بأنه: "ذلك العقد الذي ينطوي على تبادل للرسائل بين البائع والمشتري والتي تكون قائمة على صيغ معدة سلفا ومعالجة الكترونيا، تنشئ التزامات تعاقدية"[1]. وعرفه جانب فقهي آخر أنه: " اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول بشأن الأموال والخدمات، عبر شبكة دولية للاتصال عن بعد، بوسيلة مسموعة ومرئية، تتيح التفاعل الحواري بين الموجب والقابل "[2].

ويشترط لإبرام العقود عموما توافر الأركان الأساسية وهي، الرضا والمحل والسبب والشكلية في بعض العقود. وهي أركان لابد منها لانعقاد العقد سواء في العقود التقليدية أو العقود المبرمة عبر الوسائل الالكترونية .

و يمتاز ركن الرضا في العقود الالكترونية بخصوصية تحتاج بعض جوانبها إلى قواعد قانونية خاصة لمعالجتها، مختلفة عن القواعد المرتبطة بالعقود التقليدية. وبناء عليه فإن هذه المقالة تنطلق من تساؤل مفاده، ما هي أبرز ملامح الخصوصية التي يتميز بها ركن الرضا في العقود الإلكترونية ؟

إن استجلاء ملامح الخصوصية في  ركن الرضا في العقود الالكترونية يتطلب منا الحديث عن الإيجاب الالكتروني (المطلب الأول)، ثم القبول الإلكتروني (المطلب الثاني).


المطلب الأول: الإيجاب في العقد الالكتروني


إن الايجاب هو التعبير عن إرادة الراغب في التعاقد، ويكون الايجاب في العقود الالكترونية عن بعد، من خلال شبكة دولية للاتصالات بوسيلة مسموعة مرئية تتضمن كل العناصر اللازمة لإبرام العقد[3] . ويرى بعض الفقهاء أن إضافة لفظ الكتروني إلى الإيجاب، لا يغير من معناه كما هو وارد في  إطار القواعد التقليدية للعقد، وإنما هو مجرد وصف يلحق الايجاب ناشئ عن اختلاف وسيلة التعبير عن الارادة المتجسدة  في هذه الحالة بتقنيات تتيحها شبكة الانترنت[4].

و من الجدي بالذكر، أن الايجاب الالكتروني قد يكون ايجابا خاصا موجها لأشخاص محددين من خلال تقنية البريد الالكتروني التي تسمح بتبادل بيانات العروض التعاقدية عن طريق رسائل البريد الالكتروني. وقد يكون إيجابا عاما موجها إلى أشخاص غير محددين عن طريق مواقع الويب التجارية المعروفة شائعة الانتشار عبر الانترنت[5]. مثل:  "Yahoo"،" Google"،"Amazon"، Ali Express"" ، وغيرها .

وعادة ما يتم الايجاب عن طريق الاشهار الالكتروني، و يتخذ عدت طرق، مثل الإعلانات التي  تظهر تلقائيا عند الدخول الى المواقع الالكترونية على واجهة شاشة الحاسوب أو الهاتف، سواء كان إشهارا مكتوبا أو من خلال فيديو مع الصوت. و يهدف إلى ترويج بيع سلع أو خدمات عن طريق الاتصالات الالكترونية. لكن يشترط في مثل هذا النوع من الاشهار، أن يكون محدد بوضوح كرسالة تجارية أو إشهارية، وأن يسسمح بتحديد الشخص الذي تم تصميم الرسالة لحسابه، وأن لا يتنافي مع النظام العام. والتأكد أيضا من أن جميع الشروط الواجب استيفاؤها للاستفادة من العرض التجاري ليست مضللة ولا غامضة[6].

وقد يتم  الاشهار عبر البريد الالكتروني، ويكون عادة بإرسال مجموعة كبيرة من الرسائل الالكترونية لعدد كبير من مستخدمي الأنترنت أحيانا برغبتهم وأحيانا أخرى دون رغبتهم .

 وتجدر الإشارة إلى أنه كي يكون الايجاب الالكتروني صحيحا، فلا بد أن يتوفر فيه شروط عامة كما هو الحال في الايجاب التقليدي، فيجب أن يكون جازما محددا، باتا ولا رجعة فيه، بمعنى أن تتجه نية الموجب إلى إبرام العقد بمجرد اقتران القبول به. بالإضافة إلى الشروط الخاصة بالإيجاب الالكتروني الموجه للمستهلكين: كمدة صلاحية الايجاب، وحق الرجوع في التعاقد، وبيان ثمن السلع والخدمات التي يعرضها. مع ضرورة أن يكون الوصول لهذه المعلومات سهلا، ومتاحا بشكل دائم[7].


المطلب الثاني: القبول في العقد الإلكتروني


لا يكفي لإبرام العقد وجود الإيجاب وحده، فلابد أن تقابله إرادة عقدية أخرى تتضمن قبولا لهذا الإيجاب، والعقود الالكترونية التي تبرم عبر الانترنت لا تختلف عن العقود التقليدية من هذه الناحية، والتعبير الثاني عن الإرادة يلزم أن يكون باتا أيضا،  ويتجه لإحداث أثر قانوني، و أن يكون حرا صادرا من المنسوب إليه وهو على بينة من أمره وبما لا يدع مجال للشك في اتجاه  نيته نحو الارتباط التعاقدي [8]

وفي هذا السياق، نص العقد النموذجي للمعاملات الالكترونية الصادر عن اليونسترال على القبول في المادة 432 على أنه:" يعتبر القبول مقبولا إذا تسلم مرسل هذا الإيجاب قبولا غير مشروط للإيجاب خلال التوقيت المحدد". أما قانون اليونسترال لسنة 1996 أشار في  المادة 113 إلى جواز التعبير أو القبول بالرسائل الالكترونية.

وتجدر الإشارة أنه تهمين على القبول  في  المجال الالكتروني الارادة الصريحة على الارادة الباطنة، نظرا لما يميز أسلوب التعبير عن القبول في  تكنولوجيا المعلومات، بحيث يكون صريحا و لا يترك أي مجال للشك.

 فعندما يتم التعاقد عبر الويب أو الموقع، يتم القبول  بالنقر مرتين على الأيقونة للدلالة على القبول. وبالتالي يعتبر النقر على الأيقونة تعبيرا عن إرادة المستهلك الالكتروني في قبول إبرام العقد، و ينتج الأثار القانونية ابتداءا من هذه اللحظة ويكون عندها كل طرف ملزما  بتنفيذ العقد ، وعادة ما يتم استعمال طرق وتقنيات إضافية لتأكد القبول كملء وثيقة الشراء على الشاشة التي يتعين على القابل ملؤها وإعادة إرسالها للمورد الموجب، وغيرها[9].

وقد يكون  القبول الالكتروني من خلال  تبادل الرسائل الالكترونية، و يتم فيها القبول عبر إرسال رسالة بريد الكتروني للشخص الموجب أو الرد على رسالته المرسلة مسبقا.

وهناك أيضا طريقة أخرى للقبول الاكتروني عن طريق المحادثة المباشرة عبر الأنترنت بين شخصين متصلين بالشبكة يتبادلان النقاش سواء باستعمال الكتابة أو المحادثة الصورية عن طريق تطبيقات، مثل: سكايب أو ماسنجر، أو فايبر، وغيرها. ويستطيع هنا الأطراف المتعاملة على الشبكة أن يشاهدو بعضهما البعض عن طريق كاميرا موصولة بالكمبيوتر أو الهاتف ، و يتحدثو معا في نفس الوقت ، فنكون هنا أمام حضور افتراضي يقترب كثيرا من المجلس الحقيقي للعقد، ويصدر الايجابفي هذه الحالة مباشرة بالكلام أو الكتابة أو المشاهدة. وبالتالي فإن الايجاب يكون غير ملزم ما لم يحصل القبول فورا.

 

 الخاتمة:

حاولنا من خلال هذه المداخلة التطرق للركن الرضا في  العقد الالكتروني. ولقد استخلصنا أن هذا الركن  يتميز في العقود الالكترونية  عن العقود التقليدية، باعتبار أن الوسيلة المستعملة في إبرامه هي الشبكة المعلوماتية سواء تم ذلك عن طريق البريد الالكتروني أو المواقع الالكترونية.

لذا وجب على مختلف الدول ضرورة تكوين رجال القضاء على التعامل مع هذا النوع من العقود بما يكفل مصلحة طرفي العقد. وضرورة أيضا توعية الأشخاص المتعاملين بالعقود الالكترونية بالضوابط القانونية الواجب الالتزام بها عند إقدامهم على ابرام مثل هذه العقود.

 

 

 

الهوامش



[1]  Michal S .Baim ET Henry perrit, electronic contrating, publishingand EDI lqz, Wiley law puck Bilocation fan wiley .sans 1991, p6.

[2] Michal S. Baim et Henry perrit, electronic contrating, publishingand EDI lqz, Wiley law puck Bilocation fan wiley. Sans 1991, p6. Olive Tenu, internet et le durit, aspect juridiques du commerce électronique, édition eyalets,1996, p23.

[3] محمد حسنین منصور، المسؤولیة الالكترونیة، دار الجامعة الجدیدة، الاسكندریة 2003 ، ص68.

[4] أسامة أحمد بدر، حمایة المستهلك في التعاقد الالكتروني، دراسة مقارنة، دار النهضة العربیة، مصر 2005 ، ص182

[5] أسامة أبو الحسن مجاهد، خصوصیة التعاقد عبر الانترنت، استخدام الحاسب الالي في المجال القضائي بمحكمة الابتدائیة باریس، مجلة القضاة، عدد شهري 6 و7، 1990، ص71.

[6] جبارة نور، أثر التحولات التكنولوجيا على النظرية العامة للعقد: العقد الالكتروني، بحوث جامعة الجزائر،الجزء الأول، العدد 14، سنة 2020، ص174.

[7]  فیصل محمد كمال عبد العزیز، الحمایة القانونیة لعقود التجارة الالكترونیة، رسالة دكتوراه، كلیة الحقوق، جامعة القاهرة، 2008، ص221.

[8] إبراهیم الدسوقي أبو اللیل، الجوانب القانونیة للتعاملات الالكترونیة، جامعة الكویت، مجلس الشورى 2003 ،ص93 .

[9] جبارة نور، مرجع سابق، ص177.

 

د. نضال غيث

إرسال تعليق

التعليقات



أرشيف المدونة الإلكترونية

المشاركات الشائعة

تواصل معنا على لينكدان

تابعنا

مدونة النقاش القانوني والقضائي

جميع الحقوق محفوظة

مدونة النقاش القانوني والقضائي

2021