-->
مدونة النقاش القانوني والقضائي مدونة النقاش القانوني والقضائي

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الضوابط الموضوعية الواجب على صاحب العمل التقيد بها عند تقليص ساعات العمل في ضوء التشريع الاجتماعي المغربي

 


الضوابط الموضوعية الواجب على صاحب العمل التقيد بها عند تقليص ساعات العمل في ضوء التشريع الاجتماعي المغربي


مقدمة:

إن مختلف التشريعات العمالية المقارنة عملت على  تحديد ساعات العمل الواجب على العامل قضائها داخب المنشأة، ونظمت توزيع فتراتها، باليوم، أو الأسبوع، أو السنة حسب طبيعة عمل المنشأة، واعتبرت أن ساعات العمل المحددة قانونا من النظام العام لا يمكن الخروج عنها[1].

لكن تداعيات العمل وظروفه الاستثنائية تستدعي أحيانا الخروج عن المبادئ العامة الناظمة لساعات العمل، وذلك إما بتقليصها أو زيادتها تماشيا مع واقع عمل المنشأة. هذا الأمر دفع المشرع المغربي إلى التدخل في إطار تنظيمه للعلاقات العمالية بسن قواعد مرنة تتيح لصاحب العمل هامشا للتصرف واتخاذ القرارات الملائمة التي من شأنها مواجهة الأزمات ذات المصادر المختلفة، واختار وسيلة التقليص من ساعات العمل القانونية كأحد مظاهر هذه المرونة في محاولة منه لإيجاد توازن اقتصادي واجتماعي بين طرفي علاقة العمل ، وفي هذا السياق جاء في المادة 185 من مدونة الشغل المغربية " يمكن للمشغل، .........، بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، أن يقلص من مدة الشغل العادية ولفترة متصلة أو منفصلة لا تتجاوز ستين يوما في السنة، وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف طارئة خارجة عن إرادته. يؤدى الأجر عن مدة الشغل الفعلية على ألا يقل في جميع الحالات عن 50 % من الأجر العادي ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء...".

في ضوء ما سبق، حق لنا التساؤل حول نجاعة الضوابط الموضوعية التي أقرها المشرع الاجتماعي المغربي لتقليص ساعات العمل في توفير الحماية اللازمة للعمال؟

 تقتضي منا الإجابة عن التساؤل المشار إليه أعلاه، الحديث عن القيود الموضوعية المفروضة من قبل المشرع المغربي للتقليص من ساعات العمل، وذلك من خلال تناول حالة الأزمة الاقتصادية العابرة "أ" وكذلك  الظروف الطارئة الخارجة عن إرادته صاحب العمل "ب".

أ‌-              حدوث أزمة اقتصادية عابرة:

إن الأزمات الاقتصادية من الأسباب الشائعة التي تعطل و تؤثر على عمل المنشآت، ومعها قد يضطر صاحب العمل  إلى اتخاذ إجراءات لمواجهتها[2]. وفي مثل هذه الأوضاع غالبا ما يلجأ إلى تقليص ساعات العمل بسبب هذا الظرف الاقتصادي، بهدف التخفيف من تكاليف المنشأة وبالتالي الحد من الأزمة الاقتصادية التي قد تؤثر سلبا على السير العادي لها.

لكن ما يلاحظ من خلال المادة 185 من مدونة الشغل المغربية أنها لم تعمل على تحديد المقصود بالأزمة الاقتصادية المبررة لإجراء التقليص من ساعات العمل القانونية باستثناء الإشارة إلى ضرورة أن تكون أزمة عابرة، أي مؤقتة بطبيعتها، الشيء الذي يبرر تحديده أجل 60 يوما كحد أقصى لاستمرار العمل بوقت مخفض.

وفي هذا السياق، فإن هناك من حاول تحديد المقصود بالظروف الاقتصادية بقوله "هو غالبا الكساد مما يصبح معه المشغل في غنى عن خدمات الأجير"[3] . وهناك جانب من الفقه[4] قام بإعطاء نماذج للأزمة الاقتصادية العابرة غير محددة على سبيل الحصر، والمتمثلة في ظروف خارجية ذات انعكاسات سلبية على سير النشاط الذي تقوم المنشأة على استغلاله، كانخفاض الطلب على البضاعة وارتفاع معدل التضخم ونقص المواد الأولية.

علاوة على ذلك، ذهب أحد الفقه المغربي[5] إلى أن مصطلح الأزمة الاقتصادية مفهوم واضح يسهل ضبطه ومراقبته، سواء بالنسبة للسلطات المحلية أو القضائية، إلا أنني أختلف مع هذا الرأي خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها العالم، واتخاذ هذه الأزمات أشكالا متنوعة يصعب ضبطها وتحديدها.

نستنتج مما سبق ذكره أعلاه، أن المشرع المغربي ذكر مصطلح الأزمة الاقتصادية بصفة مجردة دون ضوابط ولا قيود، لذا يبقى  الأمر متروكا للقضاء في لعب دور مهم  يبلور عدت عناصر محددة تساهم في تحديد مدى توفر الأزمة الاقتصادية من عدمها، حتى لا يبقى مفهوم هذه الأخيرة مجردا من كل ضابط، ما قد يشكل منفذا يستغله أصحاب العمل للتخلص من العمال الغير المرغوب فيهم تحت ذريعة المبرر الاقتصادي[6].

 لهذا يمكن القول إن حماية الأجير تقتضي الدقة والوضوح في الصياغة القانونية التي تغني كل الأطراف عن تعدد التأويلات والتفسيرات، عكس ما يسجل بخصوص صياغة المادة 185 من مدونة الشغل المغربية، وبالتالي فإن ضرورة تدخل المشرع لضبط المصطلحات وتدقيقها، تفاديا لكل توزيع في التأويل الذي من شأنه الإضرار بمصالح الأجراء أصبحت أمرا لا محيد عنه.

ب‌-           حدوث ظروف طارئة خارجة عن إرادة صاحب العمل:

قد يقع من الأحداث ما لا يكون متوقعا، ويترتب عنها أن تصبح المنشأة في وضعية صعبة، يتطلب التغلب عليها انتهاج سياسة عمل جديدة، قد تأخذ شكل تقليص ساعات عمل العمال لتفادي ما قد يتمخض عن تلك الأحداث من أثار تمس بمصالح طرفي علاقة العمل وأحيانا بالاقتصاد الوطني[7].

هذا دفع المشرع المغربي في المادة 185 من مدونة الشغل المغربية إلى السماح بتقليص ساعات العمل القانونية إذا ما كانت هناك ظروف طارئة خارجة عن إرادة صاحب العمل، وبهذا يكون المشرع جعل من هذه الظروف ضابطا للتقليص ساعات العمل، وبالتالي إعفاء العامل من جزء من الأجر المستحق له في الظروف العادية المنشأة، الأمر الذي من شأنه أن يخفض من تكاليفها المادية ويساعدها على استعادة توازنها. غير أن التقليص في هذه الحالة ينبغي أن يكون مؤقتا، أي لا يستمر إلا بالقدر اللازم لمواجهة الظروف الطارئة[8]. فهو إجراء مؤقت يوجب على صاحب العمل إعادة العامل إلى وضعه السابق بعد انتهاء هذه الظروف.

لكن نلاحظ أن المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة 185 من مدونة الشغل لم يقم بإعطاء تعريف لهذه الظروف ولم يعين مصدرها، كما أنه لم يضع لهذا المفهوم ضوابط تحدده، ما يدفع إلى القول بأن إدراج تلك العبارة وفق تلك الصياغة الفضفاضة قد يجعل أصحاب العمل يتعسفون في استخدامها.

 

خاتمة:

إن المشرع المغربي سعى إلى خلق قواعد قانونية مرنة، في تعاطيه مع تنظيم تقليص ساعات العمل العمال داخل المنشأة، واشترط وجود ضوابط موضوعية تحكم هذه العملية، لكن يعاب عليه استخدام مصطلحات فضفاضة تحمل أكثر من تأويل وتفسير، مما يترتب عن ذلك تعسف أصحاب العمل في تطبيق تقليص ساعات عمل العمال، بشكل يخدم أهدافهم الربحية، وبالتالي النظر للعلاقة الرابطة بين طرفي عقد العمل من منظور اقتصادي دون المنظور الإنساني والاجتماعي.

لذا وجب على المشرع المغربي، السعي نحو توضيح الظروف الموضوعية لتقليص ساعات العمل الواردة في المادة 185 من مدونة الشغل المغربية، بطريقة لا تدع مجلا للشك، وبما يكفل حماية حقوق العمال.   

الحواشي:

[1] حدد المشرع المغربي في المادة 184 من مدونة الشغل مدد الشغل العادية في النشاطات الفلاحية في 2496 ساعة في السنة، وتجزئ على فترات حسب ما تفتضيه المتطلبات الضرورية للمزروعات، وفق مدد  يومية تتولى السلطة الحكومية المختصة بتحديدها، بينما تحدد في النشاطات غير الفلاحية في 44 ساعة في الأسبوع، أما المدة السنوية الإجمالية فقد تم تحديدها في 2888 ساعة والتي يمكن توزيعها حسب حاجيات المقاولة على مدار السنة، شريطة أن لا تتجاوز مدة العمل عشر ساعات في اليوم.

[2] عبد الغفار السيوني: "سلطة رب العمل في الانفراد بتعديل عقد العمل"، دار النهضة العربية، القاهرة 1995، ص 283.

[3] موسى عبود: "دروس في القانون الاجتماعي"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1981، ص 37.

[4] حسن عبد الرحمان قدوس: "إنهاء علاقات العمل لأسباب اقتصادية"، مطبعة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1990، ص 93. و محمد الزبيخي الخميسي: "نظام الإعفاء الجماعي"، الندوة الثالثة للقضاء الاجتماعي التي نظمها المعهد العالي للقضاء يومي 23 و24 ماي 2003، دار السلام، الرباط 2004، ص 99.

[5] محمد الشرقاني: "علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل"، دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، 2003، ص 224.

[6] دنيا مباركة: "إنهاء علاقات العمل لأسباب اقتصادية"، مقال منشور بمجلة المناظرة، العدد الرابع، يونيو 1999، ص 72.

[7] محمد أحداف: "توقف عقد الشغل لأسباب اقتصادية في التشريع المغربي"، رسالة لنيل الماجستير في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية: 1992 – 1993، ص 197.

[8] محمد عبد الغفار البسيوني، مرجع سابق، ص 176.


د. نضال غيث

  1. هذا الموضوع مهم ويجب العمل على تطبيق القانون على أرض الواقع لأن العمال في الخاص يعانون بدون حقوق

    ردحذف

التعليقات



أرشيف المدونة الإلكترونية

المشاركات الشائعة

تواصل معنا على لينكدان

تابعنا

مدونة النقاش القانوني والقضائي

جميع الحقوق محفوظة

مدونة النقاش القانوني والقضائي

2021