-->
مدونة النقاش القانوني والقضائي مدونة النقاش القانوني والقضائي

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

طبيعة الكيان القانوني للجنين


 

طبيعة الكيان القانوني للجنين

مقدمة:


تنشأ الشخصية القانونية للإنسان بمجرد وجوده كائن حي منذ ولادته، وتثبت بها الحقوق و يتحمل بمقتضاها الالتزامات. غير أن المرحلة التي تسبق ولادة الإنسان عندما يكون جنينا في رحم أمه[1]، تثير التساؤل حول وضعية شخصيته وكيانه القانوني في تلك المرحلة.

و ظهر في هذا السياق تيارين فقهيين أساسين: التيار الأول، ذهب إلى اعتبار أن الشخصية القانونية يرتبط وجودها بتكوين الجنين في رحم أمه منذ الوهلة الأولى لبداية التكوين، وبالتالي فهو يتمتع بالشخصية القانونية[2]. أما التيار الثاني ذهب إلى القول أن الشخصية القانونية تبدأ من ولادة الجنين وانفصاله حيا و خروجا عن هذه القاعدة ، تثبت للجنين شخصية وتكون أهليته ناقصة، من حيث عدم قدرته لتحمل الواجبات و إمكانية اكتسابه للحقوق [3].

وبالتالي فإن هذه المقالة تسعى إلى تناول الجدل الفقهي الحاصل حول طبيعة الكيان القانوني للجنين، من خلال الحديث عن حالة ارتباط الكيان القانوني للجنين بتحقق شرط ( أولا)، ثم الانتقال لتناول حالة ارتباط كيان الجنين القانوني بتحقق احتمال ( ثانيا).


أولا: ارتباط الكيان القانوني للجنين بتحقق شرط


يرى بعض الفقه أن شخصية الجنين القانونية معلقة على شرط واقف، و أن الجنين لديه كيان قانون منذ الحمل، لكن استقرار شخصيته و أهلية وجوبه معلق على شرط واقف[4]، هو ميلاده حيا، فالشخصية القانونية بالنسبة اللجنين هي شخصية تامة و ليست ناقصة، وموجودة منذ وجوده، ولكنها معلقة على شرط تمام ولادته حيا، فإذا تحقق الميلاد مع الحياة كانت بداية الشخصية منذ الحمل، وإذا لم يتحقق ذلك زالت الشخصية القانونية بأثر رجعي وتعتبر كأن لم تكن[5].

لكن هذا الرأي تعرض للنقد، حيت اعتبر جانب من الفقه أن الشرط الواقف سببه الإرادة، و يخضع لإرادة الأطراف المتعاقدة، وتعليق اكتساب هذه الحقوق على ولادة الجنين سببه القانون وليست إرادة الأفراد، كما أن الشرط الواقف أمر عارض و ليس أصيل، إذ يمكن بدونه أن يوجد الحق، بينما اشتراط ولادة الجنين حيا ليس بالأمر العارض بل أمر متأصل، فلا يتصور بدونه وجود للحق، ولهذا لا يجوز جعل شرط الولادة حيا شرطا عرضيا ووصفه بالشرط الواقف، وبالتالي عدم جواز القول بأن حقوق الجنين معلقة على شرط واقف[6].

و ذهب جانب آخر من الفقه القانوني، إلى القول أنه على الرغم من أن الشرط الواقف الأصل فيه إرادة الأفراد، لكن هذا لا يمنع من أن يجعل القانون بعض الحقوق معلقة على شرط واقف أو فاسخ کالوصية أو الهبة.  كما أن شرط الميلاد حيا هو شرط أصيل حقا، بينما شرط الحياة هو الشرط العرضي. ولهذا من الممكن القول أن شرط الميلاد حيا هو شرط واقف، لأن الحياة تعتبر أهم ما يتعلق بمسألة ثبوت الحق، كما أن الشرط الواقف لا يعالج جميع الحقوق التي تتعلق بالحمل المستكن، إنما يوقف أثرها إلى غاية تحقق الولادة حيا، بينما للجنين من الحقوق ما يوجب له الأثر الفوري، كحقه في الحياة و سلامة جسمه[7].


ثانيا: ارتباط الكيان القانوني للجنين بتحقق احتمال


يقول هذا الرأي الفقهي، أن حقوق الجنين احتمالية، ينصب الاحتمال فيها على ولادته حيا[8]، واعتبار الولادة حيا أمر احتمالي يجعلها عنصر أصيلا تتوقف حقوق الجنين عليه، بحيث بدونه لا يوجد الحق نهائيا. لكن هذا التصور تعرض للنقد، على أساس أن الحق الاحتمالي إذا توفر له العنصر الأصيل الذي ينقصه، والمتمثل في ولادة الجنين حيا، يجعله موجودا من وقت توافر ذلك العنصر وليس قبل وجوده، وهذا يعني أن الجنين حين ولادته تثبت له الحقوق من وقت الولادة و ليس من وقت بدء الحمل[9].

في حين يرى اتجاه فقهي آخر، أن الحقوق الاحتمالية هي نفسها الحقوق المعلقة على شرط واقف أو شرط فاسخ، إذ أن الحق الاحتمالي هو حق قد يتحقق وقد يزول بتحقق أمر مستقبلا أو تخلفه [10].

 

 

 

 

 

 

الحواشي:



[1] يعرف الجنين لغة بكونه " الولد مادام في البطن و، والجمع أجنة أو أجنن، وهو مشتق من جن أي استتر"(7)، مشار إليه في  أبو القاسم جار الله محمود بن عمر إبن أحمد الزمخشري، أساس البلاغة، ج.1، دار الكتب العلمية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، دون سنة نشر، ص105  

وعرفه بعض علماء الأجنة، أنه البويضة المخصبة بعد انغراسها في جدار الرحم، معبرين عنها بالكرة الجرثومية، وعندما تنغرز هذه الكرة في جدار الرحم تكون قد تحولت من نطفة الأمشاج إلى علقة، وهي المرحل الجديدة لها في الحياة الجنينية أي مرحلة العلقة، أشار اليه محمد علي عبد البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، ط.4، الدار السعودية للطباعة والنشر، السعودية، 1983، ص 200.

 وعرفه آخرون أنه المخلوق الذي يتكون في رحم المرأة نتيجة تلقيح بويضتها بالحيوان المنوي الذي يحتوي عليه ماء الرجل ويطلق اسم الجنين على هذا المخلوق مادام في رحم أمه بتحقيق استتاره فيه، أشار إليه أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج18، دار الكتب المصرية للطباعة و النشر، مصر، 1935، ص.115.

[2]  على الشيخ إبراهيم المبارك، حماية الجنين في الشريعة والقانون دراسة مقارنة، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية، دزن سنة نشر، ص60.

[3] حسام الدين كامل الأهواني،  أصول القانون، مطبعة أبناء وهبة حسان، القاهرة، 1988 ص،438.

[4] ميلدرن كلين، تقرير بشأن "جسم الإنسان الشخصية القانونية في القانون البلجيكي"، منشور في أعمال جمعية هنري كابيتان، بباريس، الجزء 26، 1975، ص28.

[5]  عبد الحي حجازي، مذكرات في نظرية الحق- المدخل لدراسة العلوم القانونية الحق-، مطبعة دار الكتاب العربي، القاهرة، 1951 ص.92-93.

[6] عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة العلوم القانونية - الحق وفقا للقانون الكويتي دراسة مقارنة-، ج.2، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت، 1970، ص93.

[7] بلعيدي فريد، طبيعة الجنين وشخصيته القانونية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، مجلة الدراسات القانونية، عدد1، مجلد8، 2022، ص331.

[8]  عبد الحي حجازي،" المدخل لدراسة العلوم القانونية - الحق وفقا للقانون الكويتي دراسة مقارنة . المرجع السابق، ص56.

[9]  عبد الحي حجازي، مذكرات في نظرية الحق، المرجع السابق، ص93-94.

[10]  مفتاح محمد أقزيط، الحماية القانونية للجنين بين الفقه والقانون الوضعي، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2006، ص140.

 

د. نضال غيث

إرسال تعليق

التعليقات



أرشيف المدونة الإلكترونية

المشاركات الشائعة

تواصل معنا على لينكدان

تابعنا

مدونة النقاش القانوني والقضائي

جميع الحقوق محفوظة

مدونة النقاش القانوني والقضائي

2021