-->
مدونة النقاش القانوني والقضائي مدونة النقاش القانوني والقضائي

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الجدل الفقهي الحاصل حول إرجاع العامل المفصول تعسفيا إلى عمله

  

 


الجدل الفقهي الحاصل حول إرجاع العامل المفصول تعسفيا إلى عمله




 مقدمة

يؤثر جزاء فصل العامل من العمل على وضعيته المعنوية والمهنية بشكل مباشر، لذا فإن مختلف التشريعات أخضعته لضوابط دقيقة. ويترتب عن عدم احترام تلك الضوابط من قبل صاحب العمل عند إقدامه على فصل أحد العمال، نشوء الحق للعامل المفصول من عمله تعسفيا بمطالبة صاحب العمل بإصلاح الضرر الناتج عن ذلك الفصل.

وليتمكن العامل من الحصول على حقوقه فإنه يرفع دعوى أمام المحكمة المختصة، والتي تجد نفسها في بعض الأنظمة القانونية أمام أحد الخيارين، إما الحكم بإرجاع العامل إلى عمله أو حصوله على تعويض نقدي عن الضرر الحاصل له. وعلى الرغم من أن خيار إرجاع العامل المفصول تعسفيا إلى عمله يمثل التعويض الكامل عن الضرر الذي لحق به، إلا أن العديد من التشريعات العمالية لم تأخذ به.
في هذا السياق طغى على الواجهة جدل فقهي حول مسألة إرجاع الأجير المفصول تعسفيا إلى عمله بين مؤيد ومعارض، حيث ينادى جانب من الفقه بعدم الأخذ بإرجاع العامل المفصول إلى عمله، والاكتفاء بالتعويض النقدي، مستندا في ذلك على مبررات متعددة، بينما ينادي جانب آخر بتبنيها.


أولا: الاتجاه المؤيد لمبدأ الإرجاع إلى العمل


يستند مناصرو هذا الاتجاه إلى مجموعة من المؤيدات على النحو التالي
 الفصل غير المبرر يعتبر باطلا، و لذلك، يجب إعادة المتعاقدين إلى حالتهما السابقة، وهذا لا يتأتى إلا بإرجاع العامل إلى عمله
 إن علم صاحب العمل بأن القضاء لا يستطيع إرغامه على إرجاع العامل إلى عمله سيدفع به إلى التمادي في خرق القانون واصطناع مبررات غير جدية للتخلص من بعض العمال
 يعد مبدأ الإرجاع ضمانة كبرى لاستقرار الشغل، لأن صاحب العمل عندما يعلم مسبقا بأن فصل العامل بدون مبرر مقبول سيرتب الحكم عليه بإرجاعه إلى العمل مع أداء أجره من تاريخ توقفه عن العمل ولو استمرت عدة سنوات، فإنه سيعمل على احترام القانون وعدم تجاوز السلطات المخولة له
 إن التعويض النقدي مهما بلغ قدره، لا يستطيع جبر الضرر الذي يلحق الأجير نتيجة فقده لعمله، حيث يصعب عليه العثور على عمل آخر، خصوصا إذا كان متقدما في السن.


ثانيا: الاتجاه الرافض لمبدأ الإرجاع إلى العمل

يرتكز أنصار هذا الاتجاه إلى مجموعة من المؤيدات، نجملها في التالي
 التخوف على مصير العامل:
ويفسر هذا التخوف، كون بعض القضايا تدوم في مختلف مراحل التقاضي مدة طويلة يكون صاحب العمل خلالها قد عوض العامل المفصول بآخر لا يمكن إعفاءه لإرجاع سلفه، إضافة إلى أن أوضاع المؤسسة تكون قد تغيرت وأدت إلى تغيير الهيكل الإداري القديم.

كما يتم التأكيد على ما يمكن أن يثيره النزاع القضائي الذي يستمر سنوات من أحقاد تفقد كل ود بين طرفي عقد العمل، خاصة إذا كان العامل يحتل منصبا يخوله حق اتخاذ القرارات داخل المؤسسة. علاوة على ذلك  أن العلاقة بين العامل وصاحب العمل عادة ما تكون أثناء صدور القرار بالفصل من العمل قد ساءت إلى حد يصعب معه استئنافها من جديد، إضافة إلى أن العامل الذي يتم إرجاعه إلى العمل قد يتعرض لردود انتقامية من طرف صاحب العمل.


 الحرص على عدم مساس سلطات صاحب العمل
ويشير هنا الفقه إلى أن العلاقة التي تربط بين رب العمل وأجرائه ينبغي أن تحافظ لصاحب العمل على حقه في اختيار الأشخاص الذين يعملون معه، وبالتالي، فإن الإرجاع سيعرض سلطته للضعف والاحتقار أمام العمال الذين أرجعوا إلى العمل رغما عنه


الحفاظ على هيبة القضاء:

إن الاعتراف بحقوق الإنسان في قانون العمل يقتضي سن عقوبات فاعلة، وإرجاع الحال على ما كان عليه، يبدو في غير محله على المستوى العملي. كما أن تشجيع إعادة الحال إلى ما كان عليه يعني المخاطرة بأن ننزع منه جزءا من طبيعته المثالية والرادعةو أن القضاء حينا يميل إلى التعويض بدل الإرجاع يكون قد حافظ على هيبة وقدسية الأحكام بعدم تعريضها للتحقير من طرف أصحاب العمل.
وفي ختام هذه المواقف، أعتقد بضرورة تبني الحكم بإرجاع العامل المفصول تعسفيا إلى عمله، لأنه يشكل وسيلة ضغط على صاحب العمل، ويشعره بأن المنشأة ليست ملكا له، بل هي ملك لجميع المتدخلين فيها، تتحكم فيها مجموعة من الضوابط القانونية والاقتصادية والاجتماعية.


لائحة المراجع:

 

·     الصديق بزاوي، قانون الشغل المغربي ومبدأ استقرار علاقات العمل، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني- كلية الحقوق عين الشق-، الدار البيضاء، المغرب، 2004/2005.

·     التهامي الدباغ، الأسس التي يخضع لها التعويض عن الطرد التعسفي، الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، منشورات جمعية البحوث والدراسات القضائية، الرباط، 1993.

·       حسن كيرة، أصول قانون العمل (عقد العمل)، منشأة المعارف، الإسكندرية، ط3، 1977 .

·       دنيا مباركة، أثر الخطأ الجسيم على حقوق العامل، مجلة الميادين، العدد5، سنة 1990.

·      عبد القادر بوبكري، حدود السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل دراسة مقارنة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية الحقوق، وجدة 2012/2013.

·     موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، مطبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء،ط2، 1994.

·    مليكة المزدالي، القواعد المنظمة للفسخ التعسفي والآثار المترتبة عن ذلك، الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، الرباط، 1993.



د. نضال غيث

 



 

 

 

إرسال تعليق

التعليقات



أرشيف المدونة الإلكترونية

المشاركات الشائعة

تواصل معنا على لينكدان

تابعنا

مدونة النقاش القانوني والقضائي

جميع الحقوق محفوظة

مدونة النقاش القانوني والقضائي

2021